كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الفراء: انتصب {سنة} على إسقاط الخافض لأن المعنى كسنة فنصب بعد حذف الكاف، وعلى هذا لا يقف على قوله: {إلاّ قليلًا}.
وقال أبو البقاء: {سنة} منصوب على المصدر أي سننا بك سنة من تقدم من الأنبياء، ويجوز أن يكون مفعولًا به أي اتبع {سنة من قد أرسلنا} كما قال تعالى: {فبهداهم اقتده} انتهى.
وهذا معنى غير الأول والمفسرون على الأول وهو المناسب لمعنى الآية قبلها: {ولن تجد} لما أجرينا به العادة {تحويلًا} منه إلى غيره إذ كل حادث له وقت معين وصفة معينة ونفي الوجدان هنا وفيما أشبهه معناه نفي الوجود.
{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)}.
الدلوك الغروب قاله الفراء وابن قتيبة، واستدل الفراء بقول الشاعر:
هذا مقام قدمي رباح ** غدوة حتى دلكت براح

أي حتى غابت الشمس، وبراح اسم الشمس وأنشد ابن قتيبة لذي الرمة:
مصابيح ليست باللواتي يقودها ** نجوم ولا بالآفلات الدوالك

وقيل: الدلوك زوال الشمس نصف النهار.
قيل واشتقاقه من الدلك لأن الإنسان تدلك عينه عند النظر إليها.
وقيل الدلوك من وقت الزوال إلى الغروب.
الغسق سواد الليل وظلمته.
قال الكسائي غسق الليل غسوقًا والغسق الاسم بفتح السين.
وقال النضر بن شميل: غسق الليل دخول أوله.
قال الشاعر:
إن هذا الليل قد غسقا ** واشتكيت الهم والأرقا

وأصله من السيلان غسقت العين تغسق هملت بالماء والغاسق السائل، وذلك أن الظلمة تنصب على العالم.
قال الشاعر:
ظلت تجود يداها وهي لاهية ** حتى إذا جنح الإظلام والغسق

وسأل نافع بن الأزرق ابن عباس ما الغسق؟ قال: الليل بظلمته، ويقال غسقت العين امتلأت دمًا.
وحكى الفراء غسق الليل واغتسق وظلم وأظلم ودجى وأدجى وغبش وأغبش، أبو عبيدة الهاجد النائم والمصلي.
وقال ابن الأعرابي: هجد الرجل صلى من الليل، وهجد نام بالليل.
وقال الليث تهجد استيقظ للصلاة.
وقال ابن برزح هجدته أيقظته، فعلى ما ذكروا يكون من الأضداد، والمعروف في كلام العرب أن الهاجد النائم وقد هجد هجودًا نام.
قال الشاعر:
ألا زارت وأهل منى هجود ** وليت خيالنا منا يعود

وقال آخر:
ألا طرقتنا والرفاق هجود

وقال آخر:
وبرك هجود قد أثارت مخافتي

زهقت نفسه تزهق زهوقًا ذهبت، وزهق الباطل زال واضمحل، ولم يثبت.
قال الشاعر:
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها ** إقدامه مزالة لم تزهق

ناء ينوء: نهض.
الشاكلة الطريقة والمذهب الذي جبل عليه قاله الفراء، وهو مأخوذ من الشكل يقال لست على شكلي ولا شاكلتي، والشكل المثل والنضير، والشِكل بكسر الشين الهيئة يقال جارية حسنة الشكل.
الينبوع مفعول من النبع وهو عين تفور بالماء.
الكسف القطع واحدها كسفة، تقول العرب: كسفت الثوب ونحوه قطعته، وما زعم الزجاج من أن كسف بمعنى غطى ليس بمعروف في دواوين اللغة.
الرُقِّي والرقى الصعود يقال: رقيت في السلم أرقى قال الشاعر:
أنت الذي كلفتني رقي الدرج ** على الكلال والمشيب والعرج

خبت النار تخبو: سكن لهبها وخمدت سكن جمرها وضعف وهمدت طفئت جملة.
قال الشاعر:
أمن زينب ذي النار ** قبيل الصبح ما تخبو

إذا ما أخمدت ألقى ** عليها المندل الرطب

وقال آخر:
وسطه كاليراع أو سرج المجدل ** طورًا يخبو وطورًا ينير

الثبور: الهلاك يقال: ثبر الله العدوّ ثبورًا أهلكه.
وقال ابن الزبعرى:
إذا جارى الشيطان في سنن الغي ** ومن مال مثله مثبور

اللفيف الجماعات من قبائل شتى مختلطة قد لف بعضها ببعض.
وقال بعض اللغويين: هو من أسماء الجموع لا واحد له من لفظه.
وقال الطبري: هو بمعنى المصدر كقول القائل لففته لفًا ولفيفًا.
المكث: التطاول في المدّة، يقال: مكث ومكث أطال الإقامة.
الذقن مجتمع اللحيين.
قال الشاعر:
فخرّوا لأذقان الوجوه تنوشهم ** سباع من الطير العوادي وتنتف

خافت بالكلام أسره بحيث لا يكاد يسمعه المتكلم وضربه حتى خفت أي لا يسمع له حس.
{أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودًا ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرًا.
وقل جاء الحق وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقًا وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارًا}.
ومناسبة {أقم الصلاة} لما قبلها أنه تعالى لما ذكر كيدهم للرسول وما كانوا يرومون به، أمره تعالى أن يقبل على شأنه من عبادة ربه وأن لا يشغل قلبه بهم، وكان قد تقدّم القول في الإلهيات والمعاد والنبوات، فأردف ذلك بالأمر بأشرف العبادات والطاعات بعد الإيمان وهي الصلاة وتقدّم الكلام في إقامة الصلاة والمواجه بالأمر الرسول عليه الصلاة والسلام.
واللام في {لدلوك} قالوا: بمعنى بعد أي بعد دلوك {الشمس} كما قالوا ذلك في قوم متمم بن نويرة يرثي أخاه مالكًا:
فلما تفرّقنا كأني ومالكًا ** لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

أي بعد طول اجتماع ومنه كتبته لثلاث خلون من شهر كذا.
وقال الواحدي: اللام للسبب لأنها إنما تجب بزوال الشمس، فيجب على المصلي إقامتها لأجل دلوك الشمس.
قال ابن عطية: {أقم الصلاة} الآية هذه بإجماع من المفسرين إشارة إلى الصلوات المفروضة.
فقال ابن عمر وابن عباس وأبو بردة والحسن والجمهور: دلوك الشمس زوالها، والإشارة إلى الظهر والعصر وغسق الليل إشارة إلى المغرب والعشاء {وقرآن الفجر} أريد به صلاة الصبح، فالآية على هذا تعم جميع الصلوات.
وروى ابن مسعود أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أتاني جبريل عليه السلام لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر».
وروى جابر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم خرج من عنده وقد طعم وزالت الشمس، فقال: «أخرج يا أبا بكر فهذا حين دلكت الشمس» وقال ابن مسعود وابن عباس وزيد بن أسلم: دلوك الشمس غروبها والإشارة بذلك إلى المغرب و{غسق الليل} ظلمته فالإشارة إلى العتمة {وقرآن الفجر} صلاة الصبح، ولم تقع إشارة على هذا التأويل إلى الظهر والعصر انتهى.
وعن عليّ أنه الغروب، وتتعلق اللام وإلى بأقم، فتكون إلى غاية للإقامة.
وأجاز أبو البقاء أن تكون حالًا من الصلاة قال: أي ممدودة ويعني بقرآن الفجر صلاة الصبح، وخصت بالقرآن وهو القراءة لأنه عظمها إذ قراءتها طويلة مجهور بها، وانتصب {وقرآن الفجر} عطفًا على {الصلاة}.
وقال الأخفش: انتصب بإضمار فعل تقديره وآثر {قرآن الفجر} أو عليك {قرآن الفجر} انتهى.
وسميت صلاة الصبح ببعض ما يقع فيها.
وقال الزمخشري: سميت صلاة الفجر قرآنًا وهي القراءة لأنها ركن كما سميت ركوعًا وسجودًا وقنوتًا وهي حجة عليّ بن أبي علية.
والأصم في زعمهما أن القراءة ليست بركن انتهى.
وقيل: إذا فسرنا الدلوك بزوال الشمس كان الوقت مشتركًا بين الظهر والعصر إذا غييت الإقامة بغسق الليل، ويكون الغسق وقتًا مشتركًا بين المغرب والعشاء، ويكون المذكور ثلاثة أوقات: أول وقت الزوال، وأول وقت المغرب، وأول وقت الفجر انتهى، والذي يدل عليه ظاهر اللفظ أنه أمر بإقامة الصلاة إما من أول الزوال إلى الغسق، وبقرآن الفجر، وإما من الغروب إلى الغسق وبقرآن الفجر، فيكون المأمور به الصلاة في وقتين ولا تؤخذ أوقات الصلوات الخمس من هذا اللفظ بوجه.
وقال أبو عبد الله الرازي في قوله: {وقرآن الفجر} دلالة على أن الصلاة لا تتم إلاّ بالقراءة لأن الأمر على الوجوب، ولا قراءة في ذلك الوقت واجبة إلا في الصلاة ومن قال معنى {وقرآن الفجر} صلاة الفجر غلط لأنه صرف الكلام عن حقيقته إلى المجاز بغير دليل، ولأن في نسق التلاوة {ومن الليل فتهجد به نافلة لك} ويستحيل التهجد بصلاة الفجر ليلًا.
والهاء في {به} كناية عن {قرآن الفجر} المذكور قبله، فثبت أن المراد حقيقة القرآن لا مكان التهجد بالقرآن المقروء في صلاة الفجر واستحالة التهجد في الليل بصلاة الفجر، وعلى أنه لو صح أن يكون المراد ما ذكروا لكانت دلالته قائمة على وجوب القراءة في الصلاة لأنه لم تجعل القراءة عبارة عن الصلاة إلا وهي من أركانها انتهى.
وفيه بعض تلخيص والظاهر ندبية إيقاع صلاة الصبح في أول الوقت لأنه مأمور بإيقاع قرآن الفجر، فكان يقتضي الوجوب أول طلوع الفجر، لكن الإجماع منع من ذلك فبقي الندب لوجود المطلوبية، فإذا انتفى وجوبها بقي ندبها وأعاد {قرآن الفجر} في قوله: {إن قرآن الفجر} ولم يأت مضمرًا فيكون أنه على سبيل التعظيم والتنويه بقرآن الفجر ومعنى {مشهودًا} تشهده الملائكة حفظة الليل وحفظة النهار كما جاء في الحديث: «إنهم يتعاقبون ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر» وهذا قول الجمهور.
وقيل يشهده الكثير من المصلين في العادة.
وقيل: من حقه أن تشهده الجماعة الكثيرة.
قال الزمخشري: ويجوز أن يكون {وقرآن الفجر} حثًا على طول القراءة في صلاة الفجر لكونها مكثورًا عليها ليسمع الناس القرآن فيكثر الثواب، ولذلك كانت الفجر أطول الصلوات قراءة انتهى.
ويعني بقوله حثًا أن يكون التقدير وعليك {قرآن الفجر} أو والزم.
وقال محمد بن سهل بن عسكر: {مشهودًا} يشهده الله وملائكته، وذكر حديث أبي الدرداء أنه تعالى ينزل في آخر الليل ولأبي عبد الله الرازي كلام في قوله: {مشهودًا} على عادته في تفسير كتاب الله على ما لا تفهمه العرب، والذي ينبغي بل لا يعدل عنه ما فسره به الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله فيه: «يشهده ملائكة الليل وملائكة النهار» وقال فيه الترمذي حديث حسن صحيح.
ولما أمره تعالى بإقامة الصلاة للوقت المذكور ولم يدل أمره تعالى إياه على اختصاصه بذلك دون أمته ذكر ما اختصه به تعالى وأوجبه عليه من قيام الليل وهو في أمته تطوع.
فقال: {ومن الليل فتهجد به} أي بالقرآن في الصلاة {نافلة} زيادة مخصوصًا بها أنت وتهجد هنا تفعل بمعنى الإزالة والترك، كقولهم: تأثم وتحنث ترك التأثم والتحنث، ومنه تحنثت بغار حراء أي بترك التحنث، وشرح بلازمه وهو التعبد {ومن} للتبعيض.
وقال الحوفي: {من} متعلقة بفعل دل عليه معنى الكلام تقديره واسهر من الليل بالقرآن، قال: ويجوز أن يكون التقدير وقم بعد نومة من الليل.
وقال ابن عطية {ومن} للتبعيض التقدير وقتًا من الليل أي وقم وقتًا من الليل.
وقال الزمخشري: {ومن الليل} وعليك بعض الليل {فتهجد به} والتهجد ترك الهجود للصلاة انتهى.
فإن كان تفسيره وعليك بعض الليل تفسير معنى فيقرب، وإن كان أراد صناعة النحو والإعراب فلا يصح لأن المغري به لا يكون حرفًا، وتقدير من ببعض فيه مسامحة لأنه ليس بمرادفه البتة، إذ لو كان مرادفه للزم أن يكون اسمًا ولا قائل بذلك، ألا ترى إجماع النحويين على أن واو مع حرف وإن قدّرت بمع، والظاهر أن الضمير في {به} يعود على القرآن لتقدّمه في الذكر، ولا تلحظ الإضافة فيه والتقدير {فتهجد} بالقرآن في الصلاة. وقال ابن عطية: والضمير في {به} عائد على وقت المقدر في وقم وقتًا من الليل انتهى.